فصل: تفسير الآيات (81- 89):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.تفسير الآيات (81- 89):

{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}
{قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} يعني {إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ} في قولكم وبزعمكم، فأنا أولُ الموحدين المؤمنين بالله في تكذيبكم والجاحدين لما قلتم من إنّ له ولداً. قاله مجاهد.
وقال ابن عباس: يعني ما كان للرّحمن ولد وأنا أول الشاهدين له بذلك والعابدين له، جعل بمعنى النفي والجحد، يعني ما كان وما ينبغي له ولد. ثمّ ابتداء {فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين}، وقال السدي: معناه، قل: {قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ} أول من عبده بأنّ له ولد، ولكن لا ولد له، وقال قوم من أهل المعاني: معناه، قل {قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ} الآنفين من عبادته.
ويحتمل أن يكون معناه ما كان للرحمن ولدٌ. ثم قال: فأنا أول العابدين الآنفين من هذا القول المنكرين إنّ له ولداً. يقال عبد إذا أنف وغضب عبداً. قال الشاعر:
ألا هويت أُم الوليد وأصحبت ** لما أبصرت في الرأس مني تعبد

وقال آخر:
متى ما يشاء ذو الود يَصرّم خليله ** ويعبد عليه لا محالة ظالما

أخبرنا عقيل بن محمد أجازة، أخبرنا أبو الفرج، أخبرنا محمد بن جرير، حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، حدثنا ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، عن ابن قشط، عن نعجة بن بدر الجهني إنّ امرأة منهم دخلت على زوجها وهو رجل منهم أيضاً فولدت في ستة أشهر فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان رضي الله عنه وأمر بها ترجم، فدخل عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: إنّ الله تعالى يقول في كتابه: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: 15] وقال: {وفصاله في عامين} قال: فوالله ما عبد عثمان رضي الله عنه أن بعث إليها ترد. قال عبد الله بن وهب: ما استنكف ولا أنف.
{سُبْحَانَ رَبِّ السماوات والأرض رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ} يكذبون. {فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ} في باطلهم. {وَيَلْعَبُواْ} في دنياهم. {حتى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ}
{وَهُوَ الذي فِي السمآء إله وَفِي الأرض إله} يعني يعبد في السّماء ويعبد في الأرض. {وَهُوَ الحكيم} في تدبير خلقه. {العليم} بصلاحهم.
{وَتَبَارَكَ الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشفاعة إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق}.
اختلف العلماء في معنى هذه الآية. فقال قوم: {مِن} في محل النصب وأراد ب {الذين يَدْعُونَ} عيسى وعزير والملائكة، ومعنى الآية: ولا يملك عيسى وعزير والملائكة {الشفاعة إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق} فآمن على علم وبصيرة، وقال آخرون: {مَن} في وضع رفع والّذين يدعون الأوثان والمعبودين من دون الله. يقول: ولا يملك المعبودون من دون الله {الشفاعة إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق} وهم عيسى وعزير والملائكة يشهدون بالحقّ.
{وَهُمْ يَعْلَمُونَ} حقيقة ما شهدوا. {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ} عن عبادته. {وَقِيلِهِ} يعني قول محمد صلى الله عليه وسلم شاكياً إلى ربّه. {يارب إِنَّ هؤلاء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ}.
واختلف القُراء في قوله:، فقرأ عاصم وحمزة {وَقِيلِهِ} بكسر اللام على معنى {وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة} وعلم قيله، وقرأ الأعرج بالرفع، أي وعنده قيله، وقرأ الباقون بالنصب وله وجهان: أحدهما: إنّا لا نسمع سرهم ونجواهم ونسمع قيله والثاني: وقال: {وَقِيلِهِ}.
{فاصفح عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ} نسختها آية القتال، ثمّ هددهم.
{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} بالتاء أهل المدينة والشام وحفص، واختاره أيوب وأبو عبيد، الباقون بالياء.

.سورة الدخان:

مكّية، وهي تسع وخمسون آية، وثلاثمائة وست وأربعون كلمة، وألف وأربعمائة وواحد وثمانون حرفاً.
أخبرنا محمّد بن القاسم، حدثنا محمّد بن عبد الله، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمّد بن يزيد، حدثنا زيد بن حباب، أخبرنا الحسين بن محمّد بن فنجويه، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثنا أبو عيسى بن علي الختلي، حدثنا أبو هاشم الرفاعي، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا عمر بن عبد الله بن أبي السري عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الدّخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك».
أخبرنا محمد بن القاسم، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي، حدثنا السّراج، حدثنا أبو يحيى، حدثنا كثير بن هشام، عن هشام بن المقدام، عن الحسن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حم الّتي يذكر فيها الدّخان في ليلة الجمعة، أصبح مغفورًا له».
أخبرنا عبد الرّحمن بن إبراهيم بن محمد الطبراني بها، حدثنا أبو علي الرقاء، أخبرنا أبو منصور سليمان بن محمد بن الفضل، حدثنا طالوت بن عباد، حدثنا فضال بن كثير حي، قال: أتيت أبا أُمامة، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ حم الدّخان ليلة الجمعة يوم الجمعة بنى الله له بيتاً في الجنّة».
بِسمِ اللهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ

.تفسير الآيات (1- 16):

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)}
{حم* والكتاب المبين * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} قال قتادة وابن زيد: هي ليلة القدر، أنزل الله تعالى القرآن في ليلة القدر من أم الكتاب إلى السّماء الدّنيا، ثمّ أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم في الليالي والأيام، وقال الآخرون: هي ليلة النصف من شعبان.
أخبرنا الحسين بن محمّد فنجويه، حدثنا عمر بن أحمد بن القاسم، حدثنا إبراهيم المستملي الهستجاني، حدثنا أبو حصين بن يحيى بن سليمان، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا أبو بكر بن أبي سبره، عن إبراهيم بن محمد، عن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان ليلة النصف من شعبان، قوموا ليلتها وصوموا يومها، فإنّ الله تعالى ينزل لغروب الشمس إلى سمّاء الدنّيا فيقول: ألاّ مستغفر فأغفرله، ألاّ مسترزق فأرزقه، ألاّ مبتلى فأعافيه، ألاّ كذا، ألاّ كذا، ألاّ كذا، حتّى يطلع الفجر، {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ}».
{فِيهَا يُفْرَقُ} يفصل. {كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} محكم. قال الحسن ومجاهد وقتادة: يبرم في ليلة القدر من شهر رمضان كُلّ أجل وعمل وخلق ورزق، وما يكون في تلك السنة، وقال أبو عبد الرّحمن السلمي: يدبر أمر السنة في ليلة القدر، وقال هلال بن نساف: كان يقال: انتظروا القضاء في شهر رمضان.
وقال عكرمة: في ليلة النصف من شعبان، يُبرم فيه أمر السنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج، فلا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد.
يدل عليه ما أخبرنا عقيل بن محمد، أخبرنا أبو الفرج القاضي، أخبرنا محمد بن جبير، حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس، حدثني أبي، حدثنا الليث، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عثمان بن محمد بن المغيرة الأخنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان. حتّى أنّ الرجل لينكح ويولد له، وقد خرج أسمه في الموتى».
{أَمْراً} أي أنزلنا أمراً. {مِّنْ عِنْدِنَآ} من لدنا، وقال الفراء: نصب على معنى نفرق كل أمر فرق وأمراً. {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} محمد صلى الله عليه وسلم إلى عبادنا. {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} وقيل: أنزلناه رحمة، وقيل: أرسلناه رحمة، وقيل: الرحمة.
{إِنَّهُ هُوَ السميع العليم * رَبِّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ} كسر أهل الكوفة بائهُ ردًا على قوله من ربِك، ورفعهُ الآخرون ردًا على قوله: {هُوَ السميع العليم} وإن شئت على الابتداء.
{إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ} إنّ الله {رَبِّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ} فأيقنوا إنّ محمداً رسوله، وإنّ القرآن تنزيله.
{لاَ إله إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين * بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ * فارتقب} فانتظر. {يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ}.
اختلفوا في هذا الدّخان، ما هو، ومتى هو، فروى الأعمش ومسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً، وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل، فقال: يا أبا عبد الرّحمن، إنّ قاصاً عند أبواب كنده، يقص ويقول في قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} إنّه دّخان يأتي يوم القيامة، فيأخذ بأنفاس الكفّار والمنافقين وأسماعهم وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام، فقام عبد الله وجلس، وهو غضبان، فقال: يا أيّها الناس اتقوا الله، مَن عَلِمَ شيئاً فليقل ما يعلم، ومن لا يعلم، فليقل الله أعلم، فأن الله تعالى، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفين} [ص: 86] وسأحدثكم عن ذلك: أنّ قريشاً لما أبطأت عن الإسلام، واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم، فقال: «اللَّهم سبع سنين كسنين يوسف» فأصابهم من الجهد والجوع ما أكلوا الجيف والعظام والميتة والجلود، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلاّ الدخان من ظلمة أبصارهم من شدة الجوع، فأتاه أبو سفيان بن حرب، فقال: يامحمد إنّك حيث تأمر بالطاعة وصلة الرحم، وإنّ قومك قد هلكوا فادع الله لهم فإنّهم لك مطيعون.
فقال الله تعالى: فقالوا: {رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ} فدعا فكشف عنهم، فقال الله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُو العذاب قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ} إلى كفركم. {يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى إِنَّا مُنتَقِمُونَ} فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر، فهذه خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والروّم.
وقال الآخرون: بل هو دخان يجيء قبل قيام السّاعة، فيدخل في أسماع الكفّار والمنافقين، حتّى تكون كالرأس الحنيذ، ويعتري المؤمن منهم كهيئة الزكام، وتكون الأرض كلّها كبيت أوقد فيه وليس فيه خصاص.
قالوا: ولم يأتِ بعد، وهو آت وهذا قول ابن عباس وابن عمير والحسن وزيد بن علي، يدل عليه ما أنبأني عقيل بن محمد، أخبرنا المعافا بن زكريا، أخبرنا محمد بن جرير، حدثنا عصام بن داود الجراح، حدثنا أبي، حدثنا سفيان بن سعيد، حدثنا منصور بن المعتمر عن ربعي ابن حراش، قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أول الآيات الدخان ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق النّاس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا».
قال حذيفة: يا رسول الله ما الدخان؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى الناس هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ} يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة.
أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام، وأما الكافر كمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره.
وبه عن ابن جرير، حدثنا يعقوب، حدثنا ابن عليه، عن ابن جريح، عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: غدوت على ابن عباس ذات يوم، فقال: ما نمت الليلة حتّى أصبحت. قلت: لِمَ؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدُّخان قد طرق فما نمت حتّى أصبحت.
{رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ * أنى لَهُمُ الذكرى} من أين لهم للتذكير والإتعاظ بعد نزول البلاء وحلول العذاب. {وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ} محمّد صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ} يعلمه بشر. {مَّجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُو العذاب قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ} إلى كفركم، وقال قتادة: عائدون في عذاب الله.
{يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} وهو يوم بدر. {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} هذا قول أكثر العلماء، وقال الحسن: هو يوم القيامة.
وروي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال ابن مسعود: {الكبرى} يوم بدر و{إِنَّا} أقول هي يوم القيامة.

.تفسير الآيات (17- 37):

{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18) وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31) وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)}
{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} على الله وهو موسى بن عمران عليه السلام، وقيل: شريف وبسيط في قومه. {أَنْ أدوا} أن إدفعوا. {إِلَيَّ عِبَادَ الله} يعني بني إسرائيل فلا يعذبهم. {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} على الوحي.
{وَأَن لاَّ تَعْلُواْ} تطغوا وتبغوا. {عَلَى الله} فتعصوه وتخالفوا أمره. {إني آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} برهان مبين فتوعدوه بالقتل. فقال: {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ} يقتلون، وقال قتادة: ترجمون بالحجارة. ابن عباس: يشتمون ويقولون هو ساحر. {وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فاعتزلون} فخلوا سبيلي غير مرجوم باللسان ولا باليد.
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هؤلاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} مشركون، فقال سبحانه: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي} بني إسرائيل. {لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} يتبعكم فرعون وقومه.
{واترك البحر رَهْواً} إذا قطعته أنت وأصحابك رهواً ساكناً على حالته وهيئته الّتي كان عليها حين دخلته. {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ}.
واختلفت عبارات المفسرين عن معنى الرهو فروى الوالبي عن ابن عباس رهواً، قال: سمتاً. العوفي عنه: هو أن يترك كما كان. كعب: طريقاً. ربيع: سهلاً. ضحاك: دمثاً. عكرمة: يابساً جزراً، وقيل جذاذاً. قتادة: طريقاً يابساً، وأصل الرهو في كلام العرب السكون. قال الشاعر:
كإنما أهل حجر ينظرون متى ** يرونني خارجاً طيراً يناديد

طيراً رأت بازياً نضح الدماء به ** وأمه خرجت رهواً إلى عيد

يعني عليها سكون.
{كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ} مجلس {كَرِيمٍ} شريف وإنّما سماه كريماً لأنّه مجلس الملوك، قاله مجاهد وسعيد بن جبير، وقالا: هي المنابر، وقال قتادة: الكريم الحسن.
{وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ} ناعمين فاكهين أشرين بطرين معجبين. {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} بني إسرائيل. نظيره قوله: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ} [الأعراف: 137] الآية.
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض} وذلك إن المؤمن إذا مات بكت عليه السّماء والأرض أربعين صباحاً، وقال عطاء: في هذه الآية بكاءها حمرة أطرافها، وقال السدي: لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكت عليه السّماء، وبكاؤها حمرتها.
حدثنا خالد بن خداش، عن حماد بن زيد، عن هشام، عن محمد بن سيرين. قال: أخبرونا إنّ الحمرة الّتي مع الشفق لم تكن، حتّى قتل الحسين رضي الله عنه.
أخبرنا ابن بكر الخوارزمي، حدثنا أبو العياض الدعولي، حدثنا أبي بكر بن أبي خثيمة، وبه عن أبي خثيمة، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا سليم القاضي، قال: مطرنا دماً أيام قتل الحسين.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه، حدثنا أبو علي المُقري، حدثنا أبو بكر الموصلي، حدثنا أحمد بن إسحاق البصري، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة الرمدني، أخبرني يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم إنّه قال: «ما من عبد إلاّ له في السّماء بابان: باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا هذه الآية: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض}»، وذلك إنّهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملاً صالحاً تبكي عليهم، ولم يصعد إلى السّماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي.
أخبرنا عقيل بن محمد: إنّ المعافا بن زكريا أخبره، عن محمد بن جرير، حدثنا يحيى بن طلحة، حدثنا عيسى بن يونس، عن صفوان بن عمر، عن شريح بن عبيد الحضرمي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، ألاّ لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه، إلاّ بكت عليه السّماء والأرض». ثمّ قرأ رسول الله عليه السلام: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض}، ثمّ قال: «إنّهما لا تبكيان على الكافر».
{وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ * وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بني إِسْرَائِيلَ مِنَ العذاب المهين} قتل الأبناء واستحياء النساء. {مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ المسرفين * وَلَقَدِ اخترناهم} يعني مؤمني بني إسرائيل.
{على عِلْمٍ} منّا لهم. {عَلَى العالمين} يعني عالمي زمانهم {وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الآيات مَا فِيهِ بَلاَءٌ مُّبِينٌ} قال قتادة: نعمة بيّنة حين فلق لهم البحر وظلّل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسّلوى.
وقال ابن زيد: ابتلاهم بالرخاء والشدة، وقرأ: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.
{إِنَّ هؤلاء} يعني مشركي مكّة. {لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} بمبعوثين بعد موتنا. {فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا} الّذين ماتوا. {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِنَّا نُبعث أحياء بعد الموت.
{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} قال قتادة: هو تبّع الحميري، وكان سار بالجيوش حتّى حيّر الحيرة، وبنى سمرقند، وكان إذا كتب، كَتب باسم الّذي يملك براً وبحراً وضحاً وريحاً.
وذكر لنا إنّ كعباً يقول: ذمّ الله قومهُ ولم يذمّهُ، وكانت عائشة «رضي الله عنها» تقول: لا تسبوا تُبّعاً فإنه كان رجلاً صالحاً، وقال سعيد بن جبير: هو الّذي كسا البيت.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه، حدثنا أبو بكر بن محمد القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعه، حدثنا أبو زرعة عمرو بن جابر، عن سهل بن سعد، قال: سمعت النبي عليه السلام يقول: «لا تسبوا تُبّعاً، فإنّه قد كان أسلم».
أخبرنا ابن فنجويه الدينوري، حدثنا عبيد الله بن محمد بن شنبه، حدثنا محمد بن علي سالم الهمذاني، حدثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن أبي ذيب، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أدري تُبّع نبياً كان أم غير نبي».
{والذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأمم الخالية الكافرة.
{أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}.